أحاديث نبوية عن التواضع
التواضع من أبرز الفضائل التي حثَّنا الإسلام على التحلي بها. فهو ليس مجرد سمة أخلاقية تزين النفس، بل هو صفة تبني شخصية المسلم وتساعده على العيش بسلام داخلي، كما تساهم في تقوية علاقته مع الله سبحانه وتعالى ومع الآخرين. ومن خلال العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيَّن لنا أهمية التواضع وكيفية تحلي المسلم بهذه الفضيلة الكريمة.
التواضع في القرآن والسنة
التواضع، بحسب مفهومه الشرعي، هو أن يتخلى المسلم عن الكبر والفخر، ويعترف بأن جميع ما يملكه من نعم هو من فضل الله ورحمته. كما أن التواضع يعني أن يضع الإنسان نفسه في مكانه الصحيح دون أن يتفاخر أو يَعلو على الآخرين.
وقد ورد ذكر التواضع في العديد من آيات القرآن الكريم، مثل قوله تعالى في سورة الفرقان:
“وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا” (الفرقان: 63).
كما بيّن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة كيفية التحلي بهذه الفضيلة وضرورة تجنب الكبرياء والغرور.
1. الحديث الأول: “من تواضع لله رفعه”
من أبرز الأحاديث التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن التواضع هو قوله:
“من تواضع لله رفعه الله” (رواه مسلم).
يعكس هذا الحديث بوضوح أن من يتحلى بالتواضع ويخفض جناحيه لله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل يرفع منزلته في الدنيا والآخرة. إذًا، التواضع ليس علامة ضعف، بل هو طريق إلى العظمة والرفعة عند الله، حيث يعكس صدق الإيمان ويساهم في جلب رحمة الله ومغفرته.
2. الحديث الثاني: “من لا يُتواضع لله”
في حديث آخر، قال صلى الله عليه وسلم:
“ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” (رواه مسلم).
يوضح هذا الحديث بشكل جليّ أن التواضع لله هو سبب لزيادة العزة والرفعة في الدنيا والآخرة. حيث إن الله يعلي من شأن من يبتغي التواضع في أعماله وسلوكه، فيكتسب احترام الآخرين ويدخل في قلوبهم من حيث لا يشعر.
3. الحديث الثالث: التواضع في التعامل مع الناس
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً حياً في التواضع في تعامله مع الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية، فقد كان يعامل الفقراء والمساكين والضعفاء والملوك بأدب ورفق. وفي حديث آخر، يقول عليه الصلاة والسلام:
“من تواضع لله، رفعه الله حتى يضع له في الأرض ذكرًا” (رواه أحمد).
هذا الحديث يُظهر أن التواضع يعزز من مكانة الشخص في المجتمع، حتى وإن كان من الأشخاص العاديين أو البسطاء. لذا، لا ينبغي للمسلم أن يتكبر على الآخرين مهما كانت مكانته الاجتماعية أو الدينية، بل يجب أن يتحلى بالتواضع في تعامله مع جميع الناس.
4. الحديث الرابع: “إنما أنا ابن امرأة من قريش”
عُرف عن النبي صلى الله عليه وسلم التواضع في حديثه عن نفسه. فقد كان دائمًا يتحدث عن نفسه بمودة وبتواضع، ويجعل الآخرين يشعرون بالقرب منه. ففي حديث معروف قال:
“إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد” (رواه مسلم).
كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر هذه العبارة ليُظهر للناس أنه لم يكن من أسرة ملكية أو من عائلة غنية، بل كان يتحدر من أسرة بسيطة. وكان في ذلك دروس عظيمة للمسلمين عن قيمة التواضع، وضرورة الابتعاد عن التعالي.
5. الحديث الخامس: تواضع الصحابة في تعاملهم مع النبي صلى الله عليه وسلم
كان الصحابة رضوان الله عليهم يتعاملون مع النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ما كان يتعامل هو معهم، من تواضع ورحمة وصدق. فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وأيسر الناس خُلقًا” (رواه البخاري).
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر دائمًا أنه لا يجوز للمسلم أن يشعر بالكبر على الآخرين، لأن الكبر يتنافى مع ما جاء به الإسلام من قيم عدل ورحمة.
6. الحديث السادس: تواضع النبي في مجالس الناس
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في مجالس الناس دون أن يتفاخر أو يرفع رأسه عما يقتضيه تواضع الجلوس. فقد ورد في الحديث الشريف:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا كما يقوم ويجلس أحدكم” (رواه الترمذي).
وهذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش بين الناس كواحد منهم، يُحسن إليهم ويتواضع لهم، ما جعله صلى الله عليه وسلم محبوبًا في قلب كل مسلم.
7. الحديث السابع: تواضع النبي مع خدمه
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يستكبر عن مساعدة الآخرين أو خدمتهم. فقد روي عنه أنه كان يساعد في أعمال البيت، ويقوم بتنظيفه بنفسه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
“كان النبي صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله” (رواه البخاري).
بهذا يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أهمية التواضع في التعامل مع جميع أفراد الأسرة، سواء كانوا خدمًا أو أقارب، مما يضمن نوعًا من التلاحم والاحترام المتبادل بين الجميع.
8. الحديث الثامن: التواضع مع الحيوانات
لم يقتصر تواضع النبي صلى الله عليه وسلم على البشر فقط، بل امتد ليشمل الحيوانات أيضًا. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وأن يحب إذا تناول شيئًا أن يُحسن أخذه” (رواه الترمذي).
وهذا الحديث يوضح كيف يجب أن يظهر التواضع في كل تعامل مع الكائنات الحية، حيث يفضل المسلم أن يُحسن معاملة الحيوانات بأدب، ويجعلها في أعلى درجات الرعاية.
9. الحديث التاسع: التواضع طريق إلى الجنة
أحد الأحاديث التي تبين جزاء التواضع في الآخرة هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال:
“من تواضع لله عز وجل رفعه، ومن تكبر وضعه الله” (رواه مسلم).
في هذا الحديث، يظهر بجلاء أن التواضع هو طريق إلى رفعة الدرجات في الجنة، بينما الكبرياء والتفاخر سبب مباشر للانخفاض والهلاك في الدنيا والآخرة. إذًا، من يتواضع لله ويترك التعالي، فإن الله يرفعه ويعليه في الدنيا والآخرة.
خلاصة
التواضع هو من أعظم الصفات التي يمكن أن يتحلى بها المسلم، وهو طريق إلى رضا الله سبحانه وتعالى ورفعته في الدنيا والآخرة. وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث الشريفة ضرورة التواضع في التعامل مع الناس، وفي كل شؤون الحياة. فالتواضع لا يعني الانكسار أو التراجع عن حق، بل هو سمة من سمات العظمة الحقيقية التي تحقق للإنسان التوازن الداخلي وتعزز علاقته بالآخرين. إن من يتحلى بالتواضع يحظى برحمة الله، ويكسب محبة الناس، ويصبح قادرًا على العيش بسلام داخلي وطمأنينة.
